مبادئ تحكم تفكيرى
1351 - لابد لكل إنسان عند اختياره أو انتخابه لرئيس الجمهورية أن يعرف آراء وأفكار المرشح وأن يتعرف على وجهة نظره فى أغلب القضايا ... ولقد حاولت أن أعرض كل القرارات التى أرى وجوب إصدارها ... والتغييرات التى أتمنى حدوثها ... ولكن ومهما عرضت من أفكار وقرارات تظل هناك أحداث جديدة ووقائع مختلفة ستفرض نفسها وتستلزم إصدار قرارات وإجراء تغييرات جديدة ... فى هذه الحالة وحتى لا يفاجأ الناخب أو المواطن بما لم يكن يتوقعه ... وحتى يستطيع أن يقول إنه اختار رئيساً للجمهورية عن بينة وبعد معرفة ... وإنه كمواطن يستطيع التنبؤ بما سيفعله رئيس الجمهورية فى الأحداث الجديدة ... من أجل هذا كان هذا الباب ... ليس عرضاً لمشاكل أو لحلولها ... ولكن عرضاً للمبادئ الأساسية التى تحكم تفكيرى ؛ وبالتالى يمكن لهذه الأفكار أن تشرح طريقة تعاملى مع المشاكل الجديدة ويمكن أيضاً توقع ردود الأفعال على ما سيستجد من أحداث ...
1352 - دور الدولة ودور رئيس الجمهورية ودور الوزراء ودور كل المسئولين هو تيسير الحياة وتسهيل كل الإجراءات وتبسيطها أمام كل المواطنين من أجل تشجيعهم على العمل والإنتاج وتحقيق الأحلام والاستمتاع بالحياة ...
ومن أجل ذلك يجب على كل المسئولين إزالة كل العقبات ، وتمهيد الطرق ، وفتح الأبواب المغلقة ، وإتاحة الفرص ... وعلى كل المواطنين التعاون مع الدولة من أجل تحقيق الخير للجميع ...
1353 - المصريون ليسوا أذكى شعوب الأرض ... وكذلك ليسوا أغبى شعوب الأرض ... ليسوا أقوى شعوب الأرض وليسوا أضعف شعوب الأرض ... ليسوا أنجح شعوب الأرض وليسوا أفشل شعوب الأرض ...
هم بشر عاديون ... ولكنهم يمتلكون جينات مختلفة بعض الشيء بسبب حضاراتهم القديمة والمتعددة ... هذه الحضارات الضاربة فى عمق الزمن والتاريخ أكسبت المصريين صفات كثيرة ... بعضها جميل وبعضها ليس جميلاً ... فلو أعاد المصريون ترتيب أوراقهم ، وتنظيم صفوفهم ، وعملوا فى نظام واضح ، وبقانون عادل ، وفى بيئة من الشفافية والتعاون والانتماء والإخلاص فسوف يصبحون بالفعل من أحسن ومن أنجح شعوب الأرض ... ولو لم يحدث ذلك فسوف يستمر فشلهم ، وهزيمتهم ، وتخبطهم ...
1354 - الدول والمجتمعات التى تعيش على ذكريات ماضيها الجميل ولا تفعل شيئاً سوى التغنى بأمجاد الأجداد ، وإنجازاتهم لن تستطيع أن تعيش فى مستقبل أفضل ؛ لأنها سوف تتأخر كثيراً مقارنة بالدول والمجتمعات الأخرى التى توجه كل وقتها وطاقاتها من أجل العمل والنجاح وتحقيق الإنجازات الجديدة ... وللأسف فإن ما نفعله نحن المصريين من النظر إلى الماضى وإطالة الحديث عنه لن يجعلنا قادرين على اقتحام المستقبل بل لن نستطيع التغلب على مشاكلنا الحالية ...
1355 - تقدم الدول والشعوب ليس له علاقة باللغة التى تتحدثها ... ولا بالأديان التى تعتنقها ... ولا بموقعها على خريطة العالم ... ولا بنظام الحكم فيها ملكياً أم جمهورياً ... ولا بلون بشرة أبنائها ... وإنما التقدم يعتمد على مجموعة من الصفات والقيم إذا ما قمنا بتطبيقها فلابد أن يكون النجاح حليفنا وإذا لم نطبقها فلن ننجح أبداً ... ومن هذه الصفات :-
* الصدق ... الإخلاص فى العمل ... إجادة العمل وإتقانه ... التعاون والعمل الجماعى ... حب الخير للغير ... العلم والسعى من أجل المزيد منه ... القراءة والوعى والثقافة ... العدل وسيادة القانون ... المساواة فى الحقوق ...
1356 - بناء الدول وصناعة تقدمها لا يتم بالأمنيات ولا بالنوايا الحسنة ولا يتم عشوائياً ولا يحدث مصادفة ؛ وإنما يتم ويتحقق بالخطط ، والعقول ، والأيادى ، وبالتعاون ، وبالعمل ، وبالإخلاص ، وبالوعى ، وبالبناء ... وقبل كل ذلك بالعلم وبالعدل ...
1357 - السياسة فى نظرى ليست هى الخطب ، والمؤتمرات ، والشعارات ، والانتخابات والدعاية وكسب الأصوات ... وليست هى عقد الندوات وتشكيل اللجان وإطلاق التصريحات ... كما أنها ليست هى الاهتمام بالموضوعات البعيدة عن الواقع أو القضايا التى لا تهم المواطن ...
بل السياسة فى إيمانى ، وفكرى ، وعقيدتى هى كيفية إدارة وتنظيم المجتمع ، والاستفادة بكل العلوم ، وبكل الأفكار ، وبكل الإمكانات من أجل توفير كل احتياجات المواطن قبل أن يفكر فيها ... والسياسة الناجحة فى نظرى هى التى تجعل الإنسان أكثر سعادة ...
1358 - كلما زادت الأفعال المعاقب عليها ، والتصرفات الممنوعة ، والإجراءات ، والتعقيدات ، والمحظورات فى مجتمع ما أو فى بلد ما كانت الحياة كئيبة وتعيسة وكلما عاش أبناء هذا البلد تحت ضغط نفسى وتوتر وأصبحت حياتهم أكثر فشلاً وأقل نجاحاً ... وكلما كانت إنجازاتهم قليلة وإخفاقاتهم كثيرة ... وكان خروجهم عن القانون وارتكابهم الجرائم والمخالفات كثيراً ... وبالعكس من ذلك فإذا كانت مساحة الحريات فى بلد ما أو مجتمع ما كبيرة ... وكانت فلسفة الدولة والمجتمع لا تتوجه سريعاً إلى المنع والحظر وفرض العقوبات وتحديد الغرامات ، وإنما تتوجه إلى تنظيم حريات وأعمال الناس ، وعدم منعها ، وإلى تقنين أغلب التصرفات بحيث يستفيد الفرد ويستمتع بدون التسبب فى الضرر للغير ... وفى إطار من المنفعة المتبادلة بين الفرد والمجتمع ...
فى هذا المجتمع وفى هذا البلد يصبح الفرد والشعب أكثر هدوءاً ... وأقل قلقاً وتوتراً ... أكثر سعادة وأقل حزناً ... أكثر اتساقاً مع نفسه ومع المجتمع ... أكثر إنتاجاً وأقل كسلاً ... أكثر نجاحاً وأقل فشلاً ... أكثر إبداعاً وأقل نمطية ... أكثر ثقة وأقل خوفاً ...
فى النوعية الأولى من الدول يتصارع الأفراد والحكومات والمجتمع من أجل حصول الأفراد والشعوب على الحد الأدنى من الحقوق والحريات ... ويظلون فى هذا الصراع طويلاً ... يستنزفون جهدهم وطاقاتهم وأعمارهم ومواردهم ... ولا يحققون شيئاً يذكر فيظلون فى قاع الأمم ...
أما الدول من النوعية الثانية والتى توفر لأفرادها ولشعوبها الحقوق ، والحريات الأساسية ، وتنظم استعمالهم لها فإنها توفر لهم جهودهم وطاقاتهم وأعمالهم وأوقاتهم لا للصراع من أجل الحصول على الحد الأدنى من الحقوق بل للتنافس والإبداع على مزيد من العمل والنجاح والابتكار والاختراع والسعادة ... فتظل هذه الدول وهذه الشعوب فى أعلى الأمم تتنافس مع الدول الأخرى التى تنتهج الفلسفة نفسها على الوصول إلى القمة ...
1359 – قال تعالى : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ... صدق الله العظيم
أمر إلهى صريح ينهانا الله سبحانه وتعالى فيه عن التنازع لأنه يؤدى فوراً إلى الفشل ثم بعد الفشل تضيع القوة والمهابة والتأثير ...
أعتقد أن المخاطب بالنهى عن التنازع هو كل فريق وكل عائلة وكل شركاء وكل إخوة وكل مجتمع وكل مجموعة وكل اتحاد ...
كم أتمنى أن نضع جميعاً هذا الأمر الإلهى أمام أعيننا ونجعله مبدأ أساسياً من مبادئ تفكيرنا وتعاملاتنا ... ولو كنا فعلنا هذا فى كثير من مشاكلنا لكنا اليوم أكثر نجاحاً وأكثر قوة وأكثر سعادة ... ولكانت شركاتنا أكبر ... ومصانعنا أضخم ... وأحزابنا أقوى ... وعائلاتنا أسعد ... وجيشنا أقوى ... ووطننا أجمل وأفضل ...
1360 - كل المعونات مسكنات ... كلمة أنا قائلها ... ودائماً ما أقولها لكل من يعتقد أن القروض والمساعدات والمعونات والمنح يمكن أن تنهض بدولة ما أو تعالج مشاكل ما ... الحالة الوحيدة التى يمكن أن تكون المعونات فيها نافعة هو عندما يتم استعمالها فى الإنتاج ... أما المعونات التى يحصل عليها مجتمع لكى يسد عجزاً استهلاكياً يعانى منه أو لكى يسدد قروضاً قديمة فهى لن تكون فقط مسكنات بل ستؤدى إلى مزيد من التأخر ، والتدهور ، والتراجع ، والانهيار ...
ولكى نستغنى عن المعونات وعن المسكنات فلابد من عدة إجراءات تتلخص وتدور كلها حول تقليل الإنفاق والمصروفات ثم الاستفادة بكل الموارد المتاحة وتعظيمها وزيادتها من أجل زيادة الإنتاج والإيرادات ...
1361 - الحياة مبنية على التنوع والتعدد والاختلاف ... وكذلك المجتمعات ... لابد فى كل مجتمع أن يكون هناك تنوع وتعدد واختلاف ... فهذا من الأمور الصحية المفيدة لأى مجتمع إذا ما تم التعامل معها بوعى وحكمة وذكاء ... ومجتمعنا المصرى الجميل متنوع وتنوعه جمال ... وبه بعض الاختلاف والاختلاف فيه نعمة ...
عدد كبير من مشاكلنا حدثت بسبب أننا لم نستطع التعامل مع الاختلاف بوعى وذكاء وعقل وحكمة ... عدد كبير من مشاكلنا حدث لأن كل فصيل لم يستطع فهم الفصيل الآخر المختلف عنه وفهم دوافعه وظروفه وآراءه واحتياجاته ... كثير منا اعتقد أن الاختلاف خلاف ... كثير منا اعتقد ( وبخطأ ) أنه فقط من على حق وأن المختلف عنه مخطئ ... وهذا ليس حقيقياً ... كثير منا تمنى أحياناً ألا يكون المختلف عنه موجوداً وهذا لن يحدث ... فجمال الدنيا أن يظل فيها التنوع وهذا يعطيها طعماً وثراء ... وجمال مصر أن تظل متنوعة ومتعددة وأن نقبل باختلافاتنا ونسعد بها ...
1362 - النجاح فى كل الأحوال شئ جميل ومطلوب ومحبوب ... ولا يستطيع عاقل عادل أن ينكر النجاح أو يقلل من أهميته ... ولكن النجاح أيضا درجات ... وأفضل أنواع النجاح فى نظرى هو ما نستطيع فيه أن نصل إلى الهدف من أقصر الطرق ، وفى أقل وقت ، وبأقل تكلفة ، وبأقل إمكانات ... فهذا يعطى للنجاح طعماً أحلى وقيمة أعلى ... فالنجاح الحقيقى ليس هو أن تنفق الكثير وتبذل الكثير لتحصل على القليل ؛ وإنما النجاح هو أن تنفق القليل وتبذل القليل لتحصل على الكثير ...
1363 - كل علاقة فى الحياة لها طرفان ... علاقة الزواج لها طرفان زوج وزوجة ... وعلاقة العمل لها طرفان عامل وصاحب عمل ... وكذلك علاقة الأخوة وعلاقة الصداقة وعلاقة الجيران ... وعلاقة الأبوة والبنوة ... وعلاقة الأمومة ... وعلاقة البائع والمشترى .... إلخ
ومن أجل أن تستمر أى علاقة من كل هذه العلاقات السابقة وتزدهر ويكون طرفاها سعيدين بها ، راضين عنها ، حريصين على بقائها واستمرارها وزيادتها ؛ فإنه يجب أن يفكر كل طرف من أطراف العلاقة فى مصلحة ومنفعة الطرف الآخر ، وأن يؤدى واجباته نحوه قبل أن يطلبها الطرف الآخر ... فإذا ما كان الطرفان حريصين على ذلك استمرت العلاقة وسعد بها طرفاها ... لأن كل طرف من الطرفين سيحصل على مايتمناه من هذه العلاقة ... أما إذا كان أحد الأطراف لا يعمل ولا يفكر سوى فى حقوقه ومصلحته ومنفعته هو فقط فإن الطرف الثانى قد يتذمر أو يغضب أو يرد الظلم بالظلم أو التجاهل بالتجاهل ... وقد يسعى أيضاً إلى إنهاء العلاقة ... وفى هذه الحالة فإن طرفى العلاقة يخسران معاً فى أغلب الأحوال ...
وما ينطبق على كل العلاقات السابقة من تعاملات طرفيها مع بعضهما البعض ، ومن تفسيرات واحتمالات تنطبق كذلك على تعاملات الحاكم مع المحكوم ... أو تعاملات المواطن مع أجهزة الدولة فإذا ما شعر المواطن بأن الحاكم والمسئولين يعملون من أجله ومن أجل راحته ... وأن القوانين تصدر للتيسير عليه لا من أجل التضييق عليه ... وأن هناك محاولات حقيقية وجادة للإصلاح ، والعمل ، والإنتاج ، ومحاربة الفساد ... وأن الدولة حريصة على توفير التعليم الجيد والثقافة والفنون الراقية ... وتوفير الرعاية الصحية الجيدة ... وأن الأخطاء التى تحدث من البعض فى المجتمع سرعان ما يصلحها اللجوء إلى القضاء ... وأن مظلة العدل تضم الجميع بدون تفرقة ... وأن الدولة لا تسعى لتحصيل الضرائب من أجل رفاهية المسئولين وإنما من أجل تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ... إذا شعر المواطن بكل ذلك فإنه يقابل الإحسان بالإحسان ... ويصبح مواطناً ملتزماً بالقانون حريصاً على العمل وإتقانه ... مؤدياً ما عليه من واجبات تجاه المجتمع ... فيلتزم بسداد الضرائب وفى مواعيدها ... ويحافظ على المال العام ويدافع عنه ... يلتزم بإشارات المرور ولا يلقى المخلفات فى الشوارع ...
وعلى العكس من ذلك إذا شعر المواطن بأنه لا يلقى المعاملة والاهتمام من الدولة وأجهزتها ... وأنه مهان فى بلده ... مظلوم فى وطنه ... مستغل من الجميع ... لا يحصل على أبسط حقوقه ... وأن الظلم منتشر ... والعدل غائب ... والخدمات متدنية ... والمعاناة مستمرة ... وأنه لا محاربة للفساد بل تعايش معه وخوف منه ...
فى هذه الحالة ... فإن هذا المواطن يرى فى رد الصاع صاعين إلى المجتمع ونظام الحكم حقاً له ، فينفصل عن المجتمع ، ولا ينتمى إليه ، وينشغل بنفسه ويحرص على ذاته وأهدافه فقط ... فتجده لا يحرص على تأدية واجباته نحو المجتمع بل يحاول التهرب منها ... وتجده ليس حريصاً على الصالح العام بل أحياناً ما يعمل ضده ... فيلجأ إلى الوساطة والرشوة ليحصل على ما ليس من حقه ... وقد يتهرب من سداد الضرائب ... ويلقى المخلفات فى الشارع ... وقد يحاول سرقة التيار الكهربائى .... إلخ
1364 - التاجر الحقيقى والبائع الناجح فى نظرى هو من يبيع لعملائه ما يرغبون فيه ويحتاجون إليه وما يناسبهم ويفيدهم ... وعلى العكس من ذلك فالتاجر أو البائع الذى يبيع لعملائه ما يملكه هو أو ما يرغب فى بيعه هو أو ما يحقق له ربحاً كبيراً على الرغم من أن هذا المنتج لن يفيد المشترى ولا يحتاج إليه ورغبته الحقيقية لا تتجه إلى شرائه ...
هذا التاجر أو هذا البائع ليس ناجحاً ... ولو نجح يوماً فلن يستمر نجاحه طويلاً ... ولو ربح يوماً فلن تستمر أرباحه كثيراً ...
وما ينطبق على التجارة والبيع ينطبق أيضاً على السياسة ... فالسياسى الغير ناجح هو من يقدم للمواطنين برنامجاً وأفكاراً لا تفيد الناس ، ولا تحسن من حياتهم ، ولا يحتاجون إليها ... من يخدعهم يوماً ويعتقد أن خداعه لهم سيستمر ... أما السياسى الناجح فهو من يعرف مشاكل الناس وأزماتهم واحتياجاتهم ومعاناتهم ويعمل على توفير الحلول لها ... ويسعى لتنفيذها ...
1365 - عانت مصر عبر تاريخها من كثير من الحكام الديكتاتوريين منذ آلاف السنين ومنذ عصور الأسر الفرعونية ... حتى أصبح لفظ فرعون مصر وهو الاسم الذى كان يطلق على حاكم مصر مرادفاً ومعبراً عن الحاكم الديكتاتورى المستبد الظالم ...
ولأن الناس على دين ملوكهم ... فقد تسربت الديكتاتورية كطريقة للحكم والإدارة إلى نفوس الكثير ... وتشربت بها شخصيات كثيرة ...
والمؤسف أن الديكتاتورية لم تنتقل من حاكم البلاد إلى غيره من المسئولين الأقل فى الترتيب فقط بل المؤسف أن الكثيرين من المحكومين والمرءوسين ومن عامة الناس تعودوا واعتادوا أن يكون المدير أو المسئول ديكتاتوراً ... وإلا فإنه لن ينجح وسيقال عنه ضعيف الشخصية ...
ومن أجل تغيير ذلك الخطأ المترسب فى عقلية وشخصية بعض المصريين فإنه لابد من تكاتف جهود كثيرة جداً تبدأ من أكبر مسئول وهو رئيس الجمهورية ، وتنتقل إلى مستويات كثيرة أقل ، ويتم التركيز عليها فى التعليم وفى الإعلام وبكل ما نستطيعه حتى ننجح فى الوصول إلى طريقة للحكم والإدارة أكثر ديمقراطية ، وأكثر حرية ، وأكثر قدرة على التحاور ، والتواصل ، والمناقشة ، والمراجعة ... هذا الأسلوب وهذا التغيير مطلوب الوصول به إلى كل شركة وكل اجتماع وإلى كل أسرة وإلى كل تجمع بشرى ... فالديكتاتورية لا تبنى أوطانا ومجتمعات تنجح ويستمر نجاحها ويدوم ... وإنما تبنيها الديمقراطية والحوار وتبادل الآراء والمناقشات ...
1366 - الفساد منتشر فى قطاعات وفى مستويات كثيرة فى المجتمع ... هذه حقيقة لا تقبل الجدال أو النفى أو التشكيك ... ورغم أن الفساد يعتبر مرضاً خطيراً فى المجتمع يدمر الاقتصاد ، والأخلاق ، ويهدم القيم ، والمبادئ ، ويقلل الانتماء ، ويزيد من الانحرافات والجرائم ؛ إلا أننى أرى أن الفساد فى الحقيقة عرض وليس مرضاً ... فالإنسان لا يولد فاسداً بل يولد على فطرته نقياً خيراً ... ولكن ظروف المجتمع الاقتصادية وشيوع حالات الانهيار القيمى والأخلاقى وعدم تطبيق القانون بحزم ، وسهولة الإفلات من العقاب ، كل ذلك وأسباب أخرى كثيرة تدفع الكثيرين إلى التعامل مع الفساد وعدم استهجانه وعدم رفضه بل قبوله وكأنه جزء من الحياة ...
فى هذه الحالة ... وعندما يكون الفساد منتشراً و مستساغاً بهذا الحجم فإنه تصبح من الغباء محاولة القضاء عليه عن طريق تشديد العقاب فقط فهذا لن يقضى على الفساد بل سيزيد من تكلفته وحجمه ... وذلك لأن ظروف الحياة الاقتصادية وصعوبتها وزيادة احتياجات الناس المادية أقوى من خوفهم من العقاب ...
لذلك فإن الأسلوب الأمثل لمكافحة الفساد هنا هى العمل بالتوازى على عدة محاور بجانب تشديد العقاب ... وفى مقدمة تلك المحاور العمل على القضاء على الظروف التى دفعت الناس لقبول الفساد والتعامل معه وبه ... أى أن الأسلوب الأفضل هو محاصرة الفساد عن طريق معاقبة رءوسه بالإضافة إلى تغيير البيئة التى كان ينمو ويترعرع فيها ...
1367 – القوانين هى الأسلوب الأوضح لتنظيم المجتمع ولكنها ليست هى الأسلوب الأوحد أو الكافى بمفرده لإصلاح المجتمع ... فقبل تشريع القوانين ومع إصدارها لابد أن تكون الأجواء مهيأة لتنفيذها وتطبيقها ، وذلك بأن يشعر كل مواطن بالثقة فى الدولة والمجتمع وكل هيئاته ، وأن القوانين تصدر لمصلحته وتنفذ من أجل سعادته ... فهذه الفلسفة وهذا الإحساس وهذه الأجواء هى ما تساعد على حسن تطبيق القوانين والالتزام بها ...
1368 - لا يوجد إنسان كامل بدون نقص ... ولا يوجد إنسان معصوم بدون أخطاء ... ولا يوجد إنسان يملك الحقيقة المطلقة ... ولقد خلقنا الله جميعاً فى حاجة إلى بعضنا البعض ... لذا فإن الحاكم العاقل الواعى الذى يعمل من أجل مصلحة وطنه وأهله ... والساعى إلى النجاح ... والحريص على عدم الخطأ بقدر الإمكان لابد وأن يكون حريصاً على التواصل والاستماع إلى المعارضة ...
فالمعارضة بالنسبة للحاكم مثل لافتات الطريق الارشادية وعدادات السيارة بالنسبة للسائق الذى يحرص ويعمل على أن يصل سالماً إلى هدفه بدون مشاكل أو مفاجآت ... وكلما كانت العدادات والمؤشرات فى السيارة كثيرة ومتنوعة ... وكانت لافتات الطريق صادقة وواضحة ... وكلما نظر إليها القائد بين الحين والآخر ... كان ذلك فى مصلحة القائد الذى يقود السيارة وفى مصلحة كل ركاب السيارة ...
أما السائق ( رئيس الجمهورية أو الحاكم ) الذى لا يرغب فى النظر إلى عدادات السيارة أو لافتات الطريق ( المعارضة ) فهو يعرض نفسه ( والوطن ) لاحتمالية كبيرة من الخطر ... فالمعارضة بالنسبة للحاكم الناجح قوة وليست ضعفاً ... إضافة له وليست خصماً منه ... يستفيد منها أكثر مما تستفيد هى منه ...
1369 - مصر ككل الأوطان الكبيرة ... بلد يمتاز بالتنوع والاختلاف ... مصر ليست فصيلاً واحداً ... ولا لوناً واحداً ... ولا ديناً واحداً ... ولا فكراً واحداً ... ولا هوايات واحدة ... مصر بلد متنوع ... وتنوعه قوة ... وعلينا أن نحترم تنوعه لنحافظ على قوته ... وعلينا أن نقوى تنوعه لنزيد من قوته ...
مصر هى الصعيدى والفلاح ... هى النوبى والبدوى ... هى المركز والكفر ... هى الكومباوند وهى الحارة ... هى حفلات مارينا وعشش الدويقة ... هى اليخت وهى التوك توك ... هى فرقة الكونسرفتوار وهى أغانى المهرجانات ... هى عمر خيرت وشعبان عبد الرحيم ... هى المسجد والكنيسة ... هى الشيخ الشعراوى والبابا شنودة ... هى الأهلى والزمالك ... هى البحر والصحراء ... هى النقاب وهى البكينى ... هى أهرامات عمرها آلاف السنين ومنازل تنهار بعد سنوات من بنائها ...
1370 - دور رئيس الجمهورية فى الدول المستقرة الناجحة هو دور إشرافى أكثر منه إصلاحى ... ومتابعة للنجاح المتحقق بالفعل وتطويره أكثر من البحث والعمل على الإصلاح والتغيير ... أما فى الدول والمجتمعات التى تمر بمفترق طرق ... وتتعرض لأزمات كثيرة وتحاول البحث عن الطريق الذى تسلكه من أجل الخروج من مرحلة الفشل والتخبط ، والوصول إلى مرحلة النجاح والاستقرار فإن مهام رئيس الجمهورية هنا تصبح أكثر ... والأعباء الملقاة على كاهله تصبح أضخم ... فمطلوب منه أن يقود ويشارك فى إصلاح كل المجالات ... وأن يكون صاحب فلسفة ورؤية وخطة ... ولا يكفى هنا أن يكون مخلصاً لبلاده ... راغباً فى نجاحها وتقدمها ... فالإخلاص وحده لا يكفى ... والنوايا الطيبة بدون معرفة وإدراك بالتفاصيل لا تكفى لتحقيق النجاح ...
وبمعنى آخر .. وبمثال أكثر توضيحاً فإن رئيس الجمهورية فى الدول المتقدمة يمكن أن يصبح مجرد عازف فى فرقة موسيقية كبيرة ومدربة تدريباً جيداً تعرف اللحن الذى تعزفه والذى استطاعت إتقانه وتعودت على عزفه بمهارة من قبل ...
أما رئيس الجمهورية فى الدول المتأخرة والتى مازالت تبحث عن النجاح فالمطلوب منه ألا يكون مجرد عازف لآلة موسيقية فقط بل المطلوب منه أن يكون قائداً للفرقة ومايسترو لها فيحدد اللحن الذى سيعزفه المجتمع ... وبالتالى عليه أن يكون ملماً بتفاصيل مشاكل المجتمع وتطورها ... وأحوال الناس وصفاتهم ... وأن يكون مدركاً وواعياً بمهارات وقدرات كل فصيل فى المجتمع ... وكل عازف فى فرقته وإمكانات كل آلة موسيقية ودورها فى تنفيذ اللحن الجديد وعلاقتها بالآلات الأخرى ... وأن يقوم بجهد مضاعف من أجل أن يضع كل عازف فى المكان اللائق به والذى من خلاله سيساهم فى حسن أداء اللحن الجديد وذلك تحقيقاً للهدف الذى تصدى له وهو نجاح الفرقة الموسيقية كلها فى تقديم عمل جماعى متميز أى نجاح الدولة فى تنفيذ نظام جديد يحقق السعادة لكل فصائل وأفراد المجتمع ...