العلاقات الدولية
1173 - ليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا الباب رغم أهميته هو من أواخر فصول الكتاب ولكن هذا تأجيل مقصود ومتعمد منى لأنه يتعلق ويرتبط بترتيب الأولويات ، فعلى الرغم من أن من المهام الأساسية لرئيس الجمهورية صياغة ، وترتيب ، وتنسيق ، وإدارة العلاقات الدولية مع كل دول العالم ومنظماته بالشكل والأسلوب الذى يعود على بلده وشعبه بالخير والسلام ... ومع إيمانى واقتناعى التام بأهمية هذا الدور ، ونيتى وعزمى الكاملين على تنفيذ ذلك ... إلا أن الترتيب الصحيح من وجهة نظرى ليس هو البدء بالاهتمام بالخارج من أجل إصلاح الداخل ... وإنما البداية الصحيحة فى رأيى هى إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل وتقوية الإنسان والمجتمع المصرى بكل السبل والإمكانات والاهتمام بذلك من أجل حسن وقوة إدارة كل تعاملاتنا وعلاقاتنا مع كل دول العالم ... وبالتالى فإن التعاملات الخارجية الجيدة التى يجريها حكام ومسئولو مجتمع متماسك ، ومتجانس ، ومنتج ، وفعال ، ونظام حكم جيد سوف تكون أكثر نفعاً لهذا المجتمع ... فتضيف نجاحاً فوق نجاحه وتؤدى إلى مزيد من تقدمه ... أما العلاقات الدولية لأى مجتمع أو نظام حكم متأخر ضعيف فمهما كانت قوتها وتشعبها فإن فائدتها ستكون محدودة على الشعب وعلى الوطن ...
1174 - وبطريقة أخرى فى التعبير فإنه ما أسهل وأجمل أن نتعامل مع كل دول العالم ونحن فى حالة جيدة جداً من القوة الشاملة ... وما أصعب وأسوأ أن نتعامل مع العالم ونحن فى حالة فشل أو تردٍ أو انهيار ... ففى حالة النجاح والقوة يزداد الأصدقاء ، ويزداد الراغبون فى التقرب إليك ، وتزداد بالتالى مكاسبك ... وفى حالة الضعف والوهن يزداد الأعداء ، ويزداد تجرؤهم عليك ، وتزداد خسائرك ومشاكلك ...
ولنا فى تاريخنا وتاريخ الكثير من بلدان العالم الدرس والعظة ... فالعالم الدولى المعاصر ومع كل التطور والتغير الذى حدث فى منظومته ، ومنظماته ، وعلاقاته ، وشعاراته ... وسمو أهدافه ونبل مساعيه إلا أنه مازال يقف للأقوياء احتراماً ، وتقديراً ، وتوقيراً ... ويتوارى خجلاً من الضعفاء وحقوقهم ... فالنظام الدولى يساعد القوى على أن يتمتع بقوته ... ويترك الضعيف يتعذب بضعفه ... وأنا لا أسعى ولا أتمنى ولا أرضى ولا أقبل أن تكون بلادنا ضعيفة على خريطة العالم ... أو فى منظماته أو فى منتدياته ... لذلك فإننى أرى أن نهضتنا سنبنيها بسواعدنا ، وبجهدنا ، وبإخلاصنا ، وبعملنا ، وبتعاوننا مع بعضنا البعض ...
1175 - لن ندير ظهرنا للعالم ... بل بالعكس سنمد له أيدينا ... ولكننا سنمدها وهى قوية عاملة منتجة عزيزة ...
لن نبتعد أو نتخلى عن أى محور إقليمى أو دولى ... بل على العكس من ذلك ... سنتحرك شمالاً وجنوباً ... وسنتحرك شرقاً وغرباً ... سنعمل مع الجميع من أجل تحقيق النجاح للجميع ... لنا ولغيرنا ...
ليس من الصواب أن نستقوى بدولة على أخرى ... ولا بمحور ضد محور ... وإنما الصواب أن نستقوى بأنفسنا ولأنفسنا ... ليس من الذكاء أن نعتقد أن هناك طرفاً يمكن أن يحارب لنا حربنا ... أو أن يزرع لنا ويتعب ... لنحصد نحن ونستريح ... هذا ليس فقط عدم ذكاء ... بل فى الحقيقة هو قمة الغباء ... سنحمل همومنا بكل قوة ، ولن نشكو من كثرتها ... سنعمل على حل مشاكلنا ، ولن نتوقف عن التقدم أبداً ...
لن نطلب قروضاً أو مساعدات من أى دول العالم ... بل سنعمل معهم ونتعاون من أجل المصالح المشتركة والمنافع المشتركة ...
لن نطلب قروضاً أو مساعدات من منظمات دولية ... بل سنجتهد ونعمل ونسعى من أجل أن ننجح ونسدد ما علينا ثم نقدم نحن المساعدات والقروض ...
لن نطلب مساعدات من أحد ... فالموت للشعوب أهون من أن تستجدى غذاءها ... لن نكون الأيدى السفلى التى تنتظر وتتلقى المعونات ... بل سنكون بإذن الله الأيدى العليا التى تعطى وتقرض وتمنح وتساعد ...
1176 - لا يصح أن تكون بلادنا من أكبر دول العالم استقبالاً للمعونات ... لا يصح أن تكون بلادنا مصدرة للعمالة غير الماهرة والهجرة غير الشرعية ... لا يصح أن تكون بلادنا فى المكانة التى لا تليق بنا ...
لا يصح أن تتراجع قوتنا ومكانتنا يوماً بعد يوم ... ونحن نعيش على ما ورثناه من ماضينا ومن أجدادنا من علم ، وتاريخ ، وقوة ، ومجد ... لذلك فإننى سأعمل مع كل قوى المجتمع المصرى ومع كل أبنائه لوقف نزيف التأخر الذى نعانى منه جميعاً ... وإعادة بناء المجتمع المصرى وتجديد شبابه وحيويته والقضاء على سلبياته ... من أجل وضع مصر فى المكانة الإقليمية والدولية التى تليق بنا ... ولقد حاولت فى معالجتى لكل مشاكلنا أن يكون هذا هو منهجنا ( وأتمنى أن أكون قد نجحت فى نقل أفكارى إليكم فى الصفحات السابقة )
1177 - إن قوة الدولة على الصعيد الدولى إنما تنبع من قوة اقتصادها ، وقوة جيشها ، وقوة تأثيرها ... تنبع من قوة أبنائها ... وأخلاقهم وقيمهم ... وعلمهم وعلومهم ... وعملهم وإنتاجهم ... ودخلهم وثرواتهم ... تنبع من قوة ثقافتها وفنونها وأدبائها ورياضييها ... إن قوة رئيس الدولة فى الخارج لا تنبع من ألفاظه وكلماته وإنما تنبع من قوة المدرسين والمهندسين والأطباء والضباط والجنود وأصحاب الأعمال والعمال والصناع والفلاحين والمهنيين فى الداخل ...
إن أكبر عناصر نجاح مصر فى علاقاتها الدولية إنما ينبع من تماسك المجتمع المصرى وتعاونه وإنتاجه ... ينبع من إخلاص كل مصرى فى عمله ... وإتقانه لكل ما يقوم به ... وحرصه على المجتمع وما ينفعه ... وتنبع من حسن استثمار المجتمع لكل موارده ... والحفاظ عليها ... والعمل على تنميتها ...
إن قوة مصر دولياً لا تتوقف فقط على عدد الطائرات ، والصواريخ ، والدبابات ، والمدرعات ، والمركبات التى تملكها ... ولا على عدد جنود وضباط القوات المسلحة فقط ... ولا على مدى تدريبهم فقط ... فكل هذا من بديهيات وأساسيات وضروريات القوة المطلوبة ... ولكن قوة مصر تتوقف وتتحدد أيضاً بناء على عدد علمائها ومهندسيها ... وعلى عدد اختراعات المصريين وأنواعها ... وعلى كمية إنتاج المصريين وتنوعه ... وعلى الدخل القومى لمصر كلها ... وعلى حجم الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى ... وعلى المخزون الاستراتيجى من السلع الضرورية والغير ضرورية ... وعلى عدد الميداليات والبطولات التى يحصل عليها الرياضيون ... وعلى عدد الأفلام والروايات التى تصل للعالمية ... وعلى عدد المنتجات التى يحتاج إليها العالم من مصر ... وعلى عدد الكتب والجرائد التى تتم طباعتها ... وعلى عدد المؤتمرات والمنتديات والمكتبات ... وعلى عدد مشتركى الإنترنت وعلى عدد حائزى الأجهزة الحديثة ... وعلى عدد الأبحاث والنشرات العلمية ... وعلى رصيد المعلومات والمعرفة الموجودة فى المجتمع ...
وبمعنى آخر فإن قوة مصر ليست فقط فى قدرتها على الاكتفاء الذاتى واستغنائها عن العالم ... وإنما تتمثل فى مدى احتياج العالم لمصر ، وقيمة مصر ، ومنفعتها ، وفائدتها للعالم ...
1178 - أن كل إنسان مصرى هو جزء من مصر ... وقوة مصر هى مجموع أعمال المصريين ... وبناء على قوة مصر تتحدد مكانتها إقليمياً ودولياً ...
لذلك فإن كل إنسان مصرى فى عمله هو جندى مصرى ... وهو سفير لمصر ... ووزير لخارجيتها ... وهذا ما سأحرص على تأكيده وتوصيله لكل المصريين ...
ولذلك فإن كل أسرة مصرية وكل أم مصرية هى مركز تدريب لصناعة بطل مصرى متميز قادر على تقوية مصر والنهوض بها ... ورفع راياتها فى التخصص الذى سيعمل وسيبدع فيه ... وبناء على ذلك فإن قوة مصر لا تبدأ من رئيس جمهوريتها أو من حكومتها أو من جيشها أو من اقتصادها فقط ... وإنما تنبع من كل بيت وأسرة ... ومن كل مدرسة وكل مصنع ... وكل مستشفى وكل ملعب ... وكل مسرح ... وكل مكتبة وكل ناد ... وتنبع من كل أب ... وكل أم ... وكل طفل ...
بل إنها تنبع من اليوم الأول الذى تعرف فيه الأم أنها حامل ... وأنها ستنجب إنساناً بعد عدة شهور ... بل إنها تنبع من تعليم هذه الأم وتثقيفها وتأهيلها قبل أن تتزوج أو تقدم على الزواج ...
1179 - السياسة الخارجية متغيرة دائماً ومتبدلة باستمرار ... وكما يقال دائماً فلا يوجد صديق دائم ... ولا يوجد عدو دائم ...
كما أنه لا يمكن أن يكون هناك تطابق دائم بين سياسة مصر والدول الأخرى فإنه لا يمكن أن يكون هناك أيضاً تنافر دائم بين سياسة مصر والدول الأخرى ...
فلابد دائماً أن تكون هناك مسافة من الاتفاق ومساحة من الاختلاف ... ولابد أن تكون هناك دوائر نلتقى فيها ... ودوائر نختلف عليها ... وما بين هذا وذاك تتحرك الدول وتحدد سياستها طبقاً لمصالحها ومصالح شعوبها ... وتحاول أن تحصل على أقصى ما يمكن لها الحصول عليه ... ومن أجل أن تحسن مصر القيام بذلك ... فلابد لنا أن نكون جاهزين ومستعدين لكل الاحتمالات ولكل التغيرات المتوقعة وغير المتوقعة ... وعلينا دائماً أن يكون لدينا أكثر من سيناريو للتعامل مع أى متغير ... وعلينا أن نملك فى كل مشكلة أكثر من ورقة للحل ... وأكثر من أداة للتنفيذ ...
لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نتخيل ثبات السياسة المصرية الخارجية على وتيرة واحدة دائماً ... فبعض السياسات والقرارات تكون رد فعل على سياسات ومواقف الدول الأخرى إلا إننا نستطيع التأكيد على بعض الثوابت فى علاقاتنا مع كل دول العالم ... وفى مقدمة هذه الثوابت مبادئ الاحترام المتبادل ، والمنافع المشتركة ، والتعاون من أجل مستقبل أفضل للشعوب ، تحقيق السلام للجميع ... وفى نفس الوقت ... فإن سياستنا لن تكون فقط رد فعل لسياسات الدول الأخرى ... وإنما سنكون سباقين فى تحديد مواقفنا ... مستقلين عما لا يناسبنا ... مستوعبين ماضينا ودروسه وعبره ... مخططين للمستقبل ومستعدين له ... قائدين لأنفسنا ... ومرشدين لغيرنا ...
1180 - على الرغم من أن السياسات الخارجية للدول لا تتم كتابتها مقدماً ، فهى ليست سياسة جامدة يجب الالتزام بها دائماً وأبداً ... وإنما هى متغيرة ومتبدلة تتأثر وتتغير بالظروف الإقليمية والدولية ... وما أكثرها وأسرعها فى عصرنا الحالى ... وبالتالى فإن كل السياسات قابلة للتغيير وكل التوجهات قابلة للتحول ... وهذا ما أثبتته دائماً أحداث التاريخ ، حيث تفرض الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية على كثير من الدول أن تخرج عن سياساتها ، وأن تحول من انحيازاتها ، وأن تبدل من مواقفها ...
رغم كل ذلك ... ورغم أن السياسات الدولية المستقبلية بتفاصيلها لا تكتب فى صفحات الكتب ولا تناقش على الهواء إلا أننى وخروجاً على هذا النهج سوف أذكر السياسات والتوجهات التى أنوى انتهاجها ...
من يرغب فى أن يمد يده إلينا بالسلام فسيجد يدنا ممدودة إليه قبل أن يمد يده .
ومن يرغب فى الاعتداء علينا ويطلق رصاصة واحدة فسيجد مائة رصاصة
موجهة إلى صدره قبل أن يطلق الرصاصة الثانية .
سنعانق من يعانقنا .. ولكننا لن نرتمى فى أحضان أحد .
|