القضاء والعدل
1120 - أحزن كثيراً عندما أسمع البعض يتحدث عن المرتبات العالية والمزايا والبدلات التى يحصل عليها رجال القضاء فى مصر ... فهذا ليس أمراً سيئاً بل هو أمر محمود ، وجيد ، ولابد منه ... فليس من المنطق أو العقل أن يحصل رجال القضاء على مرتبات منخفضة أو قليلة لا تكفيهم للعيش الكريم مع أهمية الدور الذى يقومون به فى حفظ الحقوق ، وتطبيق العدالة فى المجتمع ... ولكنى أتفهم أن يكون اعتراض البعض ليس على مرتبات القضاء المرتفعة ؛ ولكن على الفجوة الكبيرة بين المرتبات وبعضها البعض ... وهنا فإن المطلوب ليس هو الحديث عن مرتبات القضاء المرتفعة وإنما الحديث يجب أن يكون عن مرتبات الطبقات الأخرى المنخفضة وهو ما يجب أن تعمل الدولة ونعمل جميعاً على زيادته حتى يعيش الجميع فى سعة من الرزق ، وحتى يستطيع الجميع العيش فى مستوى آمن يساعدهم على تلبية احتياجاتهم والاستمتاع بحياتهم ...
1121 - أما ما يجب أن نتكلم عنه عند حديثنا عن القضاء فهو كيف يمكن لنا جميعاً أن نساعد فى سرعة تحقيق العدالة ... وهذا هو الهدف الأسمى والأساسى فى المجتمع ...
- لا يستطيع أحد أن ينكر أن العدالة فى مصر أصبحت بطيئة جداً وإجراءات التقاضى طويلة وتستغرق وقتاً طويلاً يتسبب فى عدة أضرار منها :-
أ - آثار سلبية وضارة تمس حريات المواطنين وحقوقهم ... فكثير من المتهمين تثبت براءتهم بعد فترة طويلة من الحبس الاحتياطى ...
ب - آثار سلبية تضر أصحاب الحقوق فهم يحصلون عليها بعد فترة من الزمن يكون حقهم قد تأثر وتضرر فيها ... وكما يقول القول المأثور " الحق البطئ ظلم " ...
ج - أضرار بالحياة الاقتصادية ، والتجارية ، والمالية تتسبب فى خسائر مادية للمتنازعين ، مما يؤثر على سمعة النشاط التجارى والاستثمارى فى مصر كلها ...
د - لجوء البعض إلى محاولة الحصول على حقوقهم عن طريق القوة ، وبدون اللجوء إلى القضاء خوفاً من بطء الإجراءات ... وهذا يفسر ( بجانب أسباب أخرى ) زيادة حالات المشاجرات ، والخطف ، والتهديد ، والقتل ؛ والتى غالباً ما يلجأ إليها البعض من المتنازعين رغبة فى حصولهم على حقوقهم بسرعة وبعيداً عن بطء العدالة الذى تشهده ساحات الحكم ...
هـ - زيادة حالات الصلح العرفى وما يسمى بجلسات أو قعدات العرب ... وما قد ينتج عن ذلك من تقليل هيبة الدولة فى نفوس البعض ...
1122 - وللأسف فإن كل السلبيات السابقة غالباً ما تساعد على زيادة عدم انتماء البعض إلى المجتمع والشعور بضعف الدولة ؛ مما يؤثر بالتالى على إخلاصه وانتمائه والتزامه تجاه المجتمع والقانون والدولة ...
ولذلك فإن الاهتمام بمنظومة القضاء والعدالة فى مصر يجب أن يكون على رأس أولويات الدولة بكل مسئوليها ، والمجتمع بكل طوائفه وفصائله ؛ فالقضاء هو الحصن الحامى لأى مجتمع ... وهو ما يعطى للفرد المبررات لأن يندمج فى المجتمع وينتمى إليه ويلتزم بقوانينه ؛ فهو يعرف أن هناك من سيرد له حقوقه وسيحافظ عليها فى حالة اعتداء البعض عليها ... أما إذا اختفى هذا الشعور ، أو تزلزلت عقيدة الفرد وإيمانه بالعدل فى المجتمع فإن هذا المجتمع سيتحول بعد فترة إلى ما يشبه الغابة يظلم الغنى فيها الفقير ... ويظلم القوى فيها الضعيف ... ويظلم صاحب السلطة فيها من لا سلطة له ...
بعض الحلول المقترحة :-
1123 - إنشاء لجان للصلح العرفى فى جميع أقسام الشرطة تتكون من رجال الدين ، وحكماء المنطقة ، أو الحى ، وكبار السن ، وبعض المحامين ... ومهمة هذه اللجان هى الاستماع إلى شكاوى المتخاصمين بحيث يتم التوفيق بينهما والوصول إلى حل يرضيهما معاً ويتفقان عليه ؛ وبالتالى يتم حل النزاع قبل أن يتم تحرير محاضر بذلك وقبل أن تصل المنازعة إلى النيابة والقضاء وهو ما يمكن أن يعرف باسم تسوية ما قبل الاختصام ... وبعد الاتفاق على حل يرضى عنه المتخاصمان يتم تحرير الاتفاق حتى يصبح حجة عليهما ولا يعودان إلى نزاع فيه ...
وبالنظر إلى أرض الواقع نستطيع أن نتوقع أن هذه اللجان سوف يكون لها دور كبير فى إنهاء كثير من المنازعات قبل أن تصل إلى القضاء حيث فى كثير من الخلافات يكون المتنازعون فى حاجة إلى من يفصل بينهم ويحكم لأحدهم وهو ما يفتقده الكثيرون فتحدث الخلافات بينهم ... وتزيد وتتعقد ...
1124 - إنشاء المحاكم الجديدة على أن تكون مبانى المحاكم ذات مساحات كبيرة وتصميمات معمارية أفضل بحيث تتسع قاعاتها لكل الدوائر وللأعداد الكبيرة التى تتردد على المحاكم وبحيث يتم العمل داخل المحاكم فى يسر وسهولة ... والمطلوب أن تكون هناك محكمة لكل 100 ألف مواطن حيث هذه هى النسبة المتوسطة فى البلاد المتقدمة على حين أن النسبة الحالية فى مصر أقل من محكمة حيث تبلغ 0.23 لكل 100 ألف مواطن ...
1125 - زيادة أعداد القضاة حتى يتم التخفيف عنهم بسبب كم القضايا الكبير المنظور أمامهم ... وذلك لضمان سرعة الفصل فى المنازعات ... حيث يوجد فى مصر ما يقرب من 6 قضاة لكل 100 ألف مواطن على حين يبلغ المتوسط فى الدول المتقدمة 11 قاضياً لكل 100 ألف مواطن ...
1126 - دراسة فكرة تخصص القضاة بحيث يصبح كل قاضياً متخصصاً فى أحد فروع القانون وبالتالى يكون مسئولاً عن نظر القضايا الواقعة فى هذا التخصص فقط مثل القانون المدنى – القانون الجنائى – قانون العمل – قانون الأحوال الشخصية – القانون التجارى ...
وبالطبع فإن التخصص سوف يزيد من إلمام القضاة بالمجال الذى يعملون فيه ؛ وبالتالى سيساعدهم تخصصهم على سرعة الفصل فى القضايا ...
1127 - إلغاء الأجازة القضائية أو تخفيض مدتها إلى أسبوعين فقط بدلاً من 3 شهور وهى فترة الأجازة القضائية الحالية وبالطبع فإن حصول العملية القضائية على أجازة تقترب من ربع سنة فى كل سنة هو أمر لا يمكن تبريره ولا يمكن الاستمرار فيه إذا أردنا الوصول بمجتمعنا إلى مجتمع قضائى ناجز لا يتأخر فيه الفصل فى المنازعات ولا تتعطل فيه مصالح العباد ولا يظلم فيه أحد ...
1128 - ميكنة العمل بالمحاكم وتزويد المحاكم بكل الوسائل والأدوات والخدمات التكنولوجية التى تساعد القضاة وتعينهم على سرعة الفصل فى القضايا ...
1129 - مراجعة وتنقية كل القوانين والتشريعات بحيث يتم إصدار قانون موحد فى كل مجال من مجالات القانون ... ويتم بمقتضاه إلغاء كل القوانين والتعديلات السابقة ... فيصبح هذا القانون ولائحته المفسرة هو المرجع الوحيد للفصل فى أى خلاف ... وبهذا لا تحكم الموضوع الواحد عدة قوانين وعدة تعديلات ...
1130 - تحديد فترة زمنية كحد أقصى لصدور حكم نهائى فى كل القضايا ؛ فيكون الحد الأقصى للفصل فى القضايا المدنية والتجارية هو سنة واحدة ، ويكون الحد الأقصى للفصل فى القضايا الجنائية هو سنتان وذلك من وقت تحريك الدعوى القضائية ...
1131 - إلغاء ندب القضاة للعمل فى جهات حكومية أخرى وذلك حتى لا يتأخر الفصل فى القضايا ...
1132 - التدقيق فى تعيين المحضرين ومراقبة أعمالهم وتقييم أدائهم شهرياً بناء على ما أنجزوه وما لم ينجزوه من إعلانات ... وتوقيع الجزاءات عليهم فى حالة تقصيرهم فى أعمالهم ...
1133 - تحديد ميعاد ثابت لبدء جلسات المحاكم فى جميع القضايا فى كل المحافظات وكذلك بدء النيابة العامة أعمالها وتحقيقاتها وليكن الساعة 10 مثلاً ( وإن كنت أفضل أن يتم ترك تحديد الساعة لمجلس القضاء الأعلى ) وذلك من أجل مزيد من الانضباط والتنظيم ... فالنظام والانضباط هما أساس النجاح فى كل مجتمع ، وفى كل دولة ، وفى كل عمل ...
1134 - دراسة فكرة تخصص المحامين فيصبح هناك محام مدنى ، ومحام جنائى ، ومحام تجارى ، ومحام شرعى ، وهكذا ... وهذا التخصص سوف يساعد كل محام على حدة على التمكن والإبداع فى تخصصه تماماً مثلماً يحدث مع الأطباء والمهندسين والمدرسين ... فالتخصص من حيث المبدأ هو الخطوة الأولى للنجاح والتفوق والإبداع ... وبالتالى سيعود هذا التخصص على السادة المحامين بمزيد من النجاح والأرباح ...
1135 - تقوية جهاز تنفيذ الأحكام وزيادة مرتباته ... وتشديد الرقابة عليه ... وخضوعه للمساءلة فى حالة تقصيره فى عمله ...
1136 - تولى مجلس القضاء الأعلى لجميع شئون القضاء مالياً وإدارياً ومهنياً ، وفصل ميزانية القضاء عن ميزانية وزارة العدل ...
1137 – إنشاء جهة قضائية منفصلة لكى تنظر الفصل فى المنازعات التى قد تحدث بين رجال القضاء وغيرهم وسواء كان أحد رجال القضاء شاكياً أم مشكواً فى حقه ...
فذلك سيكون أقرب إلى تطبيق المبدأ الثابت فى العدالة وهو عدم جواز أن يكون الخصم هو الحكم فى نفس الوقت أو أن تكون له علاقة به قد تؤثر على حيادية القاضى عند الحكم ...
1138 – تنص المادة 97 من الدستور على أن " التقاضى حق مصون ومكفول للكافة ، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا ، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى ، والمحاكم الاستثنائية محظورة .. " ...
القضاء من المؤسسات التى يجب دائماً أن تعيد تصحيح
مسارها بنفسها وباستقلالية تامة
|